الأخبارمقالات

ولدأبوه وسياسة الضرائب

ما تحدث عنه وزير المالية سيدي أحمد أبوه حول مشروع القانون المتعلق بتعديل ميزانية 2025 التي صادقت عليه الحكومة أمس الأربعاء 23-07-2025 بخصوص فعالية تحصيل الإيرادات بزيادة طفيفة بلغت 5% مقارنة بالعام الماضي وبلوغها أكثر من 50% من التقديرات السنوية، تطور مهم يشير إلى تحسّن نسبي في أداء الإدارة الضريبية والمالية إذا لم نضع في الحسبان أن ارتفاع الإيرادات مرتبط أساسًا بزيادات ضريبية واضحة، خاصة رفع ضريبة الاستهلاك من 29% إلى 47%، وزيادات نوعية على منتجات أساسية في حياة المواطنين؛ الإسمنت، الحديد، المياه، الحليب والسجائر. مثل هذه الخطوات تعكس نجاحًا في جباية الضرائب على المدى القصير، لكنها تشكل تحديات حول قدرة شرائح واسعة من المواطنين على تحمل الأعباء المعيشية الإضافية، خاصة في ظل القاعدة الضريبية الضيقة وحالة الاقتصاد غير المهيكل في البلاد. مثلا؛ زيادة الضريبة على الأسمنت وحديد البناء سترفع من تكلفة مشاريع البناء والسكن، وتؤثر مباشرة على الطبقات الوسطى ومحدودي الدخل الذين يسعون لبناء مساكنهم.

تحدث ولد أبوه أيضاً عن ارتفاع النفقات بحوالي 2.5% وانتقالها من 1.16 إلى 1.19 ترليون أوقية قديمة، الأمر الذي يوضح توجّه الحكومة نحو الحفاظ على مستوى الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، وعدم انتهاج سياسة تقشفية صارمة رغم الضغوط المالية. زيادة كتلة الأجور بمقدار 15 مليار أوقية قديمة وتوجيهها لمجالات: الصحة، والتعليم، والتكوين المهني، وهذا بطبيعة الحال يسهم في تعزيز رأس المال البشري وتحسين الخدمات الأساسية، إذا ما تمّت بفعالية وتوجيه جيد وهنا يكمن التحدي. تجدر الإشارة أن ارتفاع نفقات التسيير دون آليات واضحة للرقابة قد يفاقم تحدي الفساد المالي وعدم الكفاءة الإدارية خصوصا في بلد تحجب تقاريره السنوية ويفلت الفاسدون من العقاب.

أما فيما يتعلق بالعجز المالي فقد نجحت الحكومة في إبقاء العجز عند مستوى منخفض جدًا حوالي 0.44%، ويُعد ذلك مكسبًا في ظل الأزمات المالية التي تمر بها العديد من الدول الأفريقية رغم أن هذا النجاح مرهون باستمرارية نمو الإيرادات الفعلية، وعدم حدوث صدمات اقتصادية غير متوقعة مثل: اضطرابات الأسعار العالمية للمواد الأولية، لا سيما أن الاقتصاد الموريتاني يعتمد بشكل كبير على التعدين والصيد مما يعجل فرضية الاضطرابات الاقتصادية قائمة.

تحدث ولد أبوه عن تحكم الحكومة في نسبة التضخم بحيث تمكنت من خفضه من 4% إلى 2.5%. و هذا يُعتبر إيجابيًا ويعكس – نظريًا – نجاحًا في تثبيت الأسعار. و لكن في السياق المحلي، قد يكون هذا الرقم غير محسوس على أرض الواقع إذا ما صاحبته زيادات ضريبية تُرفع أسعار السلع الأساسية. غالبًا ما يتأخر التراجع الفعلي للتضخم على المستهلك النهائي في ظل غياب رقابة فعالة على الأسواق، خاصة في القطاعات الغذائية والسكن.

رفع ضريبة الاستهلاك وزيادة الضرائب القطاعية خطوة نحو ما يسميه البعض “إصلاح المالية العامة”، لكن حقيقة الأمر هو عبارة عن نموذج اقتصادي يشكو من مستويات بطالة وفقر مرتفعة، قد يقود إلى تعميق الفوارق الاجتماعية وضعف القدرة الشرائية. مثال: رفع ضريبة الماء والحليب سيضر بشكل مباشر الأسر الفقيرة التي تخصّص جزءًا كبيرًا من مداخيلها للإنفاق الغذائي اليومي. هناك جهود يائسة لتعزيز الموارد وضبط النفقات، لكن أغلب الإصلاحات التي تحدث عنها وزير المالية والاقتصاد سيدي احمد أبوه تعتمد على توسيع قاعدة الضرائب غير المباشرة بدل إصلاح شامل للنظام الجبائي وتحفيز القطاع الإنتاجي، بالتالي استفادة الاقتصاد الوطني من هذه الأرقام ستظل رهينة ومحصورة في نطاق ضيّق عامله الأساسي نجاعة الرقابة على الإنفاق، وفعالية برامج استهداف الدعم الاجتماعي، ومحاربة الفساد، وتقوية النمو الاقتصادي الحقيقي بعيدًا عن الضغط الضريبي وحده، وهي النقاط التي لا يمكن لولد أبوه أن يحققها في ظل عجز إداري ورقابي واضحين.
من صفحة
سلطان البان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى