
الناشط السياسي الشاب عبد القادر الطالب بوي يكتب:
محمد الأمين ولد أگّيه… ابنُ كوش الذي حمل المكان في قلبه قبل أن يحمله في خريطته
في جغرافيا الشرق الموريتاني، حيث تنحني الرمال احترامًا لمرور القوافل، وتتشابك طرق البادية مثل حكاياتٍ تمتد من الغروب إلى الغروب، وُلد رجلٌ لم يكن مجرد رقمٍ في سجلّ القبائل، بل كان ابنًا وفيًّا لمنطقة كوش، تعرفه الأرض كما يعرف الراعِي دروب السقي.
منذ أن أينعت أظافره، كان محمد الأمين ولد أگّي جزءًا من نبض الأرض. يتنقّل بين مضاربها، يستمع إلى حِكم الشيوخ، ويقيم حُجّته في خدمة الناس قبل أن يُقيمها في أي منبرٍ عام. نشأ على صرامة البادية وكرمها، وعلى بساطةٍ أخرجت منه رجلًا يرى أن قيمة المسؤول لا تُقاس بصخب المناصب، بل بقدرة القلب على احتضان أهله.
وفي آمرج، تلك المقاطعة التي تجمع بين شموخ التاريخ وشراسة الطبيعة، كان حضوره مختلفًا. لم يكن شيخًا للمقاطعة فقط؛ بل كان جسرًا بين الدولة ورعاياها، بين السلطة والضعفاء، بين الطموح والواقع. وحين انتقل إلى البرلمان نائبًا عن أهلها، حمل معه سيرة خدمةٍ طويلة لم تبدأ في القبة التشريعية، بل بدأت هناك… في رمال كوش، حيث كان الحوار يجري تحت ظلّ شجرةٍ، والقرارات تُتَّخذ على بساط الخير.
محمد الأمين ولد أگّي رجلٌ يُحسِن الإصغاء قبل الخطاب، ويُتقن الفعل قبل الوعد. تتجاوز خدماته حدود الأوراق الرسمية؛ إذ يعرفه الناس في الأزمات قبل المناسبات، وفي الشدائد قبل الاحتفالات. كان قريبًا من البسطاء، يعرف حاجاتهم بأسمائهم، ويقف في صفّهم وكأنه أحد أفراد بيوتهم.
لذلك لم يكن غريبًا أن يظل اسمه علامة ثقة في المقاطعة: شيخًا سابقًا، نائبًا حاليًا، وابنًا دائمًا لكوش… لا ينفصل عنها مهما ابتعدت المسافات وتغيّرت الألقاب. فهو من أولئك الذين يَرَوْن أن خدمة الأرض واجب، وأن خدمة أهلها شرف، وأن التاريخ لا يخلّد الذين مرّوا بالمناصب، بل الذين مرّت المناصب من خلالهم دون أن تغيّر جوهرهم.
وهكذا ظل محمد الأمين ولد أگّي، وسيظل، رجلًا من نسيج الأرض: صادقًا، قريبًا، وشاهدًا على أن القيادة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سلطة إدارية.



